طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ،
أبو محمـد000
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها
، وأنبأه أن
النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه
باتباعه000وعاد الى
مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي
يحملها ، فسارع
الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن
يجتمعا الا علـى
الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث
أسلم وكان من
المسلمين الأوائل000
ايمانه
لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من
اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع
الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر ، فقد ندبه النبي -صلى
الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند
عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ،
فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين
تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها000 وقد سماه الرسول
الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير )000وفي غزوة العشيرة ( طلحة
الفياض )000ويوم حنين ( طلحة الجود )000
بطولته يوم أحد
في أحد000أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه
الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط
زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه
والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله
عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله
عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو
بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا :( ذلك كله كان يوم طلحة ،
كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول
ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم أخاكم000" ونظرنا ، واذا به بضع
وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من
شأنه )000
وقد نزل قوله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله
عليه فمنهم من قضى
نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا "000
تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة
الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا :( من سره أن ينظر الى رجل يمشي
على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )000 ما أجملها من
بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة
طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب000
عطائه وجوده
وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين
، مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان
من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج
منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى
بنت عوف :( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك
؟000فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني000وقلت
له : ما عليك ، اقسمه000فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى
ما بقي منه درهما )000
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه
فاضت عيناه من الدمع وقال :( ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته
لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )000فدعا بعض أصحابه
وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها
درهما000
وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان
يعولهم جميعا ، لقد قيل :( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا
كفاه مئونته ، ومئونة عياله )000( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم
عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )000ويقول السائب بن زيد :( صحبت طلحة
بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على
الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )000
طلحة والفتنة
عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة
حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن
أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا000لكان قاوم
الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة هو
والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ،
ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان000
وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري 000طلحة والزبير في فريق وعلي
في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم
المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة :( يا
طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت
؟)000ثم قال للزبير :( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا
زبير ، الا تحب عليا ؟؟000فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ،
ومن هو على ديني ؟؟000فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه
وأنت له ظالم )000 فقال الزبير :( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته
، والله لاأقاتلك )000
الشهادة
وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه
الحرب ، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما
قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز
وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى
بحياته 000
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات
أنهاها قائلا :( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان
من الذين قال الله فيهم :( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على
سرر متقابلين )000ثم نظر الى قبريهما وقال :( سمعت أذناي هاتان
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :( طلحة و الزبير ، جاراي
في الجنة )0000
قبر طلحة
لمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله
فقال :( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت )000قالها
ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين
سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ،
فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة
، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك000
من موقع الخيمة
|